أفلام الرعب في مصر

samedi 12 mai 2012


كمال البلهاوي

بعيداً عن الانتخابات الروسية التي حلت محل الكراسي الموسيقية، إذ يتبادل فيها بوتين مع ميدفيدف أهم مركزين في الدولة هما الرئاسة ورئاسة الوزراء، و بصرف النظر عن المعارضة أو الاصلاح، فيكفي هذا في إطار الديموقراطية الغربية لإحداث التغيير والاصلاح المطلوب.
وبعيداً عما يحدث في السودان من توتر وحروب بعد إنفصال الجنوب وحركات تمرد أخطرها اليوم ما يحدث في دارفور، وإهتمام مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان بضرورة حماية المدنيين على الحدود وخصوصاً في جنوب السودان، وإستمرار الإدارة الحالية لأكثر من عشرين عاماً تحت الرئيس عمر البشير، ولم يتخلص السودان فيها من مشكلاته بل زادت بعض تلك المشكلات ضراوة مع الانفصال وبروز حركات التمرد في أكثر من منطقة.
وبعيداً عما يحدث في سوريا من أحداث مؤلمة وقتل ونهب وسلب وتعذيب وتشريد، تتم إنتخابات حرة نزيهة كما تزعم الحكومة، ويتعجب الإنسان من كيفية إدارة إنتخابات حرة في هذه الأجواء القائمة في إطار تهجير أو هجرة أو فرار ألاف السكان إلى تركيا أو الأردن أو لبنان طلباً للأمن والراحة التي إفتقدوها في وطنهم العزيز عليهم، كل ذلك في إطار خسائر إقتصادية بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على القطاع النفطي في سوريا. وكل ذلك تحت سمع وبصر بعثة المراقبين الدوليين التي لن تضر النظام ظاهرياً، ولن تساعد الشعب في ثورته ضد النظام الفاسد ولن تقف بجوار الجيش الحر، وقد تكون من مهام بعضهم مساعدة النظام العالمي بما في ذلك الحفاظ على امن إسرائيل.
وبعيداً عن الأزمات والتحديات الكثيرة في مصر، ومنها المشكلة التي أصبحت مزمنة، مشكلة البرلمان والحكومة والتي لن تحل إلا بالطلاق كما يريد البرلمان، والحكومة لا ترى بأساً من الاستمرار في الزواج، مع تعديل بسيط أشرنا إليه في الأسبوع الماضي، وهو ما يحدث اليوم بتعديل بسيط وعملية جراحية سهلة دون مخدر، إنتهت بإخراج أربعة وزراء لعل ذلك يرضي البرلمان ولا يغضب المجلس العسكري الذي يقف وراء حكومة الجنزوري، وقد يعود البرلمان إلى علاقاته وجلساته الطبيعية مع الحكومة بعد التهديدات الكثيرة التي لم تجد نفعاً مع الطنطاوي ولا الجنزوري ولكن التوتر سيستمر حتى يستكمل موضوع الرئاسة بالكامل.
وبعيداً عن أزمة تشكيل اللجنة الدستورية أى التي ستضع أو تصيغ الدستور، فقد ضاع وقت طويل لم تتشكل فيه اللجنة، ولم تتحدد فيه حتى المعايير اللازمة للتشكيل بوضوح في ضوء المادة 60 الفضفاضة من الاعلان الدستوري التي يفهمها حتى رجال القضاء ورجال القانون على أكثر من وجه.
وبعيداً عن أزمة العباسية التي غاب فيها العقل، ووضح فيها الاستقطاب الديني والثوري والعسكري مما نتج عنه موت وإصابات وإعتقال حوالي 300 من المدنيين بينهم بعض الفتيات أفرج عنهن دون الذكور في اليوم التالي للمصيبة الكبيرة وقضى فيها مدنيون وقضى فيها رجل الصاعقة الشاب سمير أنور الكيال الذي قال عنه بعضهم شهيد الجيش لا بواكي له، ولايزال حظر التجوال مستمراً لليوم الخامس على التوالي حتى كتابة هذا المقال يوم الخميس. كنت قد نصحت الشباب وأهل الثورة ألا يذهبوا إلى العباسية، والتحرير والمليونيات هما الحل والضاغط المعترف به، وبعد الأزمة كانت إجابة كل من سألتهم لماذا ذهبتم إلى العباسية كانوا يقولون ذهبنا لنأتي بالشباب ونعود به إلى التحرير، فوقع الجميع في الفخ حتى أطلق بعضهم على أحداث العباسية غزوة العباسية، وخصوصاً بعد ظهور الأخ محمد الظواهري وبعض رجالات الجهاد الذين خرجوا من المعتقلات والسجون في ضوء المراجعات المشهورة التي نسيها بعض المحللين.
وبعيداً عن زيارة جون كيري إلى مصر التي قابل فيها المجلس العسكري ثم عمرو موسى وإكتفي بمكالمة هاتفية مع مرشح الإخوان د.محمد مرسي. ولم تكن زيارة كيري لمصر-في ظني- دعماً للفقراء فيها أو الاستثمار أو السياحة أو الاغاثة الانسانية أو الثورة والثوريين، بل للإطمئنان على مستقبل العلاقة مع إسرائيل وضرورة تطهير سيناء من أي عناصر قد تكون جهادية. وأيضاً للضغط على حماس بالطرق الاسرائيلية عن طريق الوساطة الأمريكية وخاصة بعد وقف تصدير الغاز لإسرائيل بسبب المشاكل القانونية في تنفيذ العقد، وليس أساساً بسبب الضغط السياسي على إسرائيل أو الحفاظ على ثروات مصر المادية.
وبعيداً عن الضغوط والهجوم الشديد الذي لا مبرر له إطلاقاً على د.أبو الفتوح من جهات كثيرة إعلامية وسياسية ربما بسبب الخوف من رئيس مستقل إسلامي النزعة أو ربما بسبب ضغوط خارجية أو داخلية غير واضحة حتى الآن أو ربما يكون الهدم في صالح آخرين ممن ينتمون إلى تيارات أخرى حتى لو لم يكونوا من الثوريين، وربما نتيجة بعض الأخطاء البسيطة التي يقع فيها كل المرشحين دون إستثناء ثوريين وغير ثوريين، وربما كان ذلك بسبب قضية البيعة أو القسم الذي يؤديه الإخوان العاملون في الإخوان، وهى البيعة التي ينبغي التحلل منها في نظر بعضهم وخصوصاً من يرون أنها بيعة الإسلام أو بيعة عامة رغم أنها بيعة خاصة، ولذلك كان د. بديع المرشد العام للإخوان المسلمين حريصاً على أن يتحلل أو يحلل د. مرسي من تلك البيعة قبل إنتخابات الرئاسة.
بعيداً عن كل تلك الأزمات أو التحديات أو المشكلات التي يصعب حلها بسبب الاستقطاب الديني والسياسي والثوري والعسكري القائم في المجتمع، تبرز أم تلك الأزمات في الفترة الحالية، إذ قد يبرز غيرها في فترات لاحقة، أقول إن أم الأزمات حالياً التي تولد أزمات أخرى أصغر أو أكبر تتمثل في الاعلان الدستوري، وبصفة خاصة المادة 60 الفضفاضة التي تحتمل أكثر من وجه ومعنى، والمادة 28 التي تحظر الطعن على قرارات اللجنة العليا للإنتخابات رغم الشكوك التي تثار من جهات عدة عن مواقف ونزاهة بعض رموز اللجنة العليا للإنتخابات. وللأسف كانت هذه المادة 28 التي تحصن قرارات اللجنة مهما كانت بين المواد التي روّج لها الاسلاميون في إستفتاء 19 مارس 2011، ودفعوا الشعب للتصويت بنعم رغم أنها مادة معيبة جداً، ولربما كان يتوقع الاسلاميون حدوث تغيير وتطهير وعزل للفساد والمفسدين من أنصار النظام السابق وتمكن البرلمان والحكومة الاسلامية من عمل كل شيء أو السيطرة أو الهيمنة أو التمكين وهو مالم يحدث حتى اليوم.
وهذا النص نفسه في (المادة28) هو نص المادة التي شجعت اللجنة العليا للإنتخابات بإعادة الفريق أحمد شفيق إلى سباق الرئاسة مع إحالة قانون العزل إلى المحكمة الدستورية ومن ثم دارت مشكلة كبيرة بين المحكمة الدستورية وبين اللجنة العليا للإنتخابات عن إختصصات اللجنة التي تزعم لنفسها أنها قضائية وتصر المحكمة على أنها إدارية فقط.
أزمة مصر أزمة كبيرة، وليس من اليسير إيجاء حل مناسب لها في وقت قريب لأسباب عديدة، أهمها وأخطرها أن الثورة ليس لها قيادة ولا من يتحدث بإسمها حتى اليوم، وانصرف عنها السياسيون جميعاً رغم أن الميدان هو الذي أنتج البرلمان، ورغم أن المسار الديموقراطي وحده لن يقدم حلولاً لتلك الأزمات دون المسار الثوري على الأقل في هذه الفترة الانتقالية الحرجة. كان الله تعالى في عون مصر والعالم العربي والاسلامي.
والله الموفق

' مستشار مركز دراسة الحضارات في لندن

0 comments

Enregistrer un commentaire