نحن والسندباد

samedi 6 août 2011


نحن والسندباد
حكايات الستدباد تتكون من سبع حكايات يرويها السندباد البحري بنفسه ويصف فيها ما جرى له في أسفاره السبعة . وبالإضافة ، هناك حكاية أخرى لها وضعية خاصة لأنها تؤطر الحكايات السبع ، وتقوم شهرزاد بروايتها لشهريار : حكاية لقاء السندباد البري بالسندباد البحري ، التي تبدأ هكذا :
’’ قالت بلغني أنه في زمن الخليفة أمير المؤمنين هارون الرشيد بمدينة بغداد رجل يقال له السندباد الحمال وكان رجلا فقير الحال يحمل بأجرته على رأسه فاتفق له أنه حمل في يوم من الأيام حملة ثقيلة وكان ذلك اليوم شديد الحر فتعب من تلك الحملة وعرق واشتد عليه الحر فمر على باب مصطبة عريضة فحط الحمال حملته على تلك المصطبة ليستريح ويشم الهواء ‘‘ .
الحمال هذا ، الذي يدعى كذلك السندباد البري ، يجلس على قصر السندباد البحري . لقد أنهكه المشي على البر تحت شمس محرقة وهاهو الآن يجلس في الظل ليستريح ، قبل أن يستأنف حمل أثقاله . المكان الذي اختاره للجلوس ’’ مصطبة ‘‘ تفصل بين عالمين ، عالم البر وعالم البحر . أو عالم الفقر وعالم الغنى . إن ما يتوق إليه الحمال هو البحر ، وهو الآن على الشاطئ ، في مكان مرشوش بالماء يهب عليه ’’ هواء معتدل ‘‘ . فوق المصطبة تم اللقاء بين البر والبحر .بين عنصرين مختلفين . البر هنا له صفات مكروهة بينما البحر له صفات محبوبة . الحمال يترك وراءه البر الملتهب ويستقبل بوجهه البحر الذي يرحب به برذاذه ونسيمه العليل ، من جهة البر والحر ( أو النار ) . ومن جهة الماء والهواء . العناصر الأربعة الأولية ( 1 ) تتواجد وتتواجه بإزاء المصطبة .
المواجهة تتجلى عندما ينشد الحمال أبيات شعر يبدي فيها استغرابه من كون ’’ كل الخلائق نطفة ‘‘ ومع ذلك فهو ’’ في تعب زائد ‘‘ بينما صاحب المنزل الذي يوجد قبالته له ما شاء من ’’ بسط وعز وشرب وأكل ‘‘ . وحين يسمع السندباد البحري كلام الحمال ، يرسل في طلبه ويقدم له ’’ شيئا من أنواع الطعام المفتخر الطيب النفيس ‘‘ ثم يقول له : ’’ اعلم أن لي قصة عجيبة وسوف أخبرك بجميع ما صار لي وما جرى لي من قبل أن أصير إلى هذه السعادة وأجلس في هذا المكان الذي تراني فيه فإنني ما وصلت إلى هذه السعادة وهذا المكان إلا بعد تعب شديد ومشقة عظيمة وأهوال كثيرة .
كلا السندبادين وصل إلى ’’ هذا المكان ‘‘ بعد تعب ونصب ، ولكن شتان بين ما قاساه السندباد البري وما قاساه السندباد البحري . ’’ السعادة ‘‘ تقاس بالمشاق التي كوبدت من أجلها . من هذا المنظور ، كل واحد ينال من النعيم بحسب الأهوال والأخطار التي لقيها . الحمال لم يركب البحر ولم يتجشم مشاقه فلم ينل من كنوزه شيئا ولم يشاهد غرائبه وعجائبه . لهذا السبب ليس له ، على عكس السندباد البحري ، حكاية يرويها . لقد بقي فوق البر لم يبرحه ولم يتوغل في البحر الذي يوفر الغنى ورصيدا من الأخبار الشيقة التي تحلو روايتها . كل ما يستطيع فعله الآن هو الإصغاء إلى السندباد البحري ومعاينة العجائب في مرآة خطابه والتقاط الأشياء التي يقذفها أحيانا على الشاطئ .
إلا أننا إذا تأملنا ما حدث للحمال ، نلاحظ أنه عاش بصفة مصغرة تجربة عجيبة تجعله جديرا باقتسام اسم ’’ سندباد ‘‘ مع صاحبه ، وجديرا بأن تروي شهرزاد ما وقع له . فعندما أرسل السندباد البحري في طلبه اجتاز الباب الذي كان جالسا قبالته ، يعني أنه انتقل من فضائه المألوف إلى فضاء غريب : ’’ فعند ذلك بهت السندباد الحمال وقال في نفسه والله إن هذا المكان من بقع الجنان ‘‘ . لو بقي في الفضاء الأول لما كانت هناك حكاية إذ الشرط الأساسي للحكاية هو الانتقال أي اجتياز العتبة الفاصلة بين فضائين ( 2 ) . عندما يدخل الحمال إلى الفضاء الغريب يتغير وجوده وتعريفه . لقد ’’ حط حملته عند البواب : لم يعد بحاجة إلى حمل ’’ أسباب الناس ‘‘ . الدور المنوط به الآن هو الاستماع إلى ما يرويه السندباد البحري . في صباح كل يوم يقصد الفضاء الغريب وفي المساء يعود إلى فضائه المألوف . في الصباح يذهب إلى البحر وفي المساء يرجع إلى البر .
هذه الحركة الدورية نلاحظها بعينها في مسيرة السندباد البحري . لقد سافر سبع مرات من بغداد إلى بلدان بعيدة وغريبة وكل سفر ينتهي بالإياب إلى بغداد . الطواف شمسي ، يبعد السندباد من نقطة في العالم ثم يعيده إليها . لكن حدث بعد السفرة السابعة أن الشمس لم تعد تنشط إلى الدوران . تجمدت عند نقطة انطلاقها ولم ترغب في مبارحته مرة أخرى . وبفقدان الحركة ينتهي السرد ولا يبقى إلا وضع نقطة الختام . الجمود الذي أصاب السندباد هو في نفس الوقت جمود السرد الذي يعيش بالحركة ويموت بالاستقرار .
حج السندباد سبع مرات ثم جلس في منزله يحكي مغامراته . وبعد سبعة أيام لم يبق له ما يحكيه ولم يبق لشهرزاد ما تحكيه عنه ، فيتوقف كل شيء ويتحجر الأشخاص في انتظار الموت . هل معنى هذا أن عنصر البر قد انتصرعلى عنصر البحر وأن هذا الأخير تحول إلى ذكرى تتردد كتردد الأمواج على الساحل ؟
-------------------------------
( 1 ) يستفيد الباحث العربي عند دراسته للمؤلفات الكلاسيكية والحديثة مما كتبه باشلار حول العناصر الأساسية ( الأرض ، الماء ، النار ، الهواء ) . مدلول هذه العناصر ليس قارا في كثير من الأحيانم وإنما يتلون حسب الثقافة المعنية والحقبة التاريخية ، بل إن العمل الأدبي ، إذا نظر إليه على حدة ، قد يعطي صبغة خاصة لهذه العناصر ويوظفها توظيفا فريدا . انظر مثلا تحليل كريماص لإحدى قصص موباسان .
( 2 ) لوتمان ، 1975 ، ص 103
غريماص ، 97
عبد الفتاح كيليطو ، الأدب والغرابة ( دراسات بنيوية في الأدب العربي ) ، دار الطليعة ، ص ص 95 – 98



يتبع .
...تابع القراءة

مع الحجاج بن يوسف لحظة احتضاره


السؤال :
تمثل الحجاج بن يوسف الثقفي بهذا البيت حينما حضرته الوفاة :



وإذا المنية أنشبت أظفارها - - - - ألفيت كل تميمة لا تنفع


فمن قائل هذا البيت وما المناسبة ؟

الجواب :
البيت لأبي ذؤيب الهذلي في قصيدة يرثي فيها مصرع أبنائه الخمسة بسبب الطاعون ومطلعها :


أَمِـنَ الـمَنونِ وَريـبِها تَتَوَجَّعُ - - - وَالـدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ


لكن كتاب الأمالي للقالي يذكر عن الحجاج أشعارا وأقولا قالها عند دنو أجله .
فلما حضرته الوفاة وأيقن بالموت قال : أسندوني ، وإذن للناس فدخلوا عليه ، فذكر الموت وكربه ، واللحد ووحشته والدنيا وزوالها والآخرة وأهوالها وكثرة ذنوبه وأنشأ يقول :


إن ذنبي وزن السماوات والأر - - - - ض وظني بخالقي أن يحابي


فلئن من بالرضى فهو ظني - - - - ولئن مر بالكتاب عذابي


لم يكن ذاك منه ظلما وهل يظ - - - - لم رب يرجى لحسن المآب


وبكى وبكى معه جلساؤه ، ثم أمر الكاتب أن يكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان : أما بعد فقد كنت أرعى غنمك وأحوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه ، فجاء الأسد فبطش بالراعي ومزق المرعي كل ممزق ، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر ، وأرجو أن يكون الجبار أراد بعبده غفرانا لخطاياه وتكفيرا لما حمل من ذنوبه : ثم كتب في آخر الكتاب :


إذا ما لقيت الله عني راضيا - - - - فإن شفاء النفس فيما هنالك


فحسبي بقاء الله من كل ميت - - - - وحسبي حياة الله من كل هالك


فإن مت فاذكرني بذكر محبب - - - - فقد كان جما في رضاك مسالكي


وإلا ففي دبر الصلاة بدعوة - - - - - يلقى بها المسجون في نار مالك


عليك سلام الله حيا وميتا - - - - - ومن بعد ما تحيا عتيقا لمالك


ثم دخل عليه أبو المنذر يعلى بن مخلد المجاشعي وقال له : كيف ترى ما بك يا حجاج من غمرات الموت وسكراته ؟ فقال : يا يعلى غما شديدا وجهدا جهيدا وألما مضيضا ونزعا جريضا وسفرا طويلا وزادا قليلا ، فويلي ويلي إن لم يرحمني الجبار . فقال أبو المنذر : ياحجاج إنما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء أولي الرحمة والرأفة والتحنن والتعطف على عباده وخلقه ، أشهد أنك قرين فرعون وهامان لسوء سيرتك وترك ملتك وتنكبك عن قصد الحق وسنن المحجة وآثار الصالحين ، قتلت صالحي الناس فأفنيتهم وأبرت عترة التابعين فتبرتهم وأطعت المخلوق في معصية الخالق ، وهرقت الدماء .....
فرفع الحجاج رأسه إليه وأنشد يقول قبل موته :


رب إن العباد قد أيأسوني - - - - ورجائي لك الغداة عظيم


وشبيه بهذا البيت قول ذي الرمة حين أحس بالموت :


يارب قد أشرفت نفسي وقد علمت - - - - علما يقينا لقد أحصيت آثاري


يا قابض الروح عن نفسي إذا احتضرت - -  وغافر الذنب زحزحني عن النار


ولعل أحسن رد يقال للحجاج وهو يستغفر هو قول محمود الوراق :


يا غافلا ترنو بعيني راقد - - - - - ومشاهدا للأمر غير مشاهد


تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي - - - - - درك الجنان بها وفوز العابد


ونسيت أن الله أخرج آدما - - - - - منها إلى الدنيا بذنب واحد


ولعل الحجاج كان يقول في نفسه ما قاله أبو نواس :


إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل - - - - خلوت ولكن قل علي رقيب


ولا تحسبن الله يغفل ساعة - - - - ولا أن ما يخفى عليك يغيب


لهونا لعمر الله حتى تراكمت - - - - - ذنوب على آثارهن ذنوب


فيا ليت أن الله يغفر ما مضى - - - - فيأذن في توباتنا فنتوب
...تابع القراءة

تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها




السؤال :
ما الذي يعنيه المثل ، ومن القائل :
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
الجواب :
هذا المثل يشير إلى أن نساء العرب كانت تأنف من العيش مما تأخذه لقاء لبن من أثدائها . وأول من قال هذا المثل هو الحارث بن سليل الأسدي .. فقد اتفق أنه زار حليفا له اسمه علقمة بن خطفة الطائي فرأى عنده ابنة جميلة اسمها الزباء فوقعت في نفسه فخطبها وكان شيخا وهي صبية .. سألوها فقالت : إن الشيخ يبلي شبابي ويدنس ثيابي ويشمت بي أترابي وكانت تقول لأمها :


إن الفتاة تحب الفتى - - - - - كحب الرعاء أنيق الكلا


فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها فتزوجها الحارث ورحل بها إلى قومه . فبينما هو جالس ذات يوم وهي بجانبه إذ أقبل فتية من بني أسد يعتلجون فتنفست الصعداء ثم أرخت عينيها بالبكاء لما رأت قوة الشباب وشدته في أولئك الأسديين .. رآها الحارث تبكي فقال : وما يبكيك ؟ قالت ما لي وللشيوخ الناهضين كالفروخ . فقال لها : ثكلتك أمك تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها . وللمثل رواية أخرى وهي : تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها . والمعنى واحد وهو أنها لا تأكل أجرة ثدييها ، أي لا تعيش بسبب ثدييها وبما يغلان عليها . ثم قال لها : أما وأبيك لرب غارة شهدتها وسبية أردفتها وخمرة شربتها فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك وقال :


تهزأت أن رأتني لابسا كبرا - - - - وغاية الناس بين الموت والكبر
فإن بقيت لقيت الشيب راغمة - - - - - وفي التعرف ما يمضي من العبر
وإن يكن قد علا رأسي وغيره - - - - صرف الزمان وتغييرمن الشعر
عني إليك ، فإني لا توافقني - - - - عور الكلام ولا شرب على الكدر
...تابع القراءة