المنهج في الكتابة الإنشائية الفلسفية

mardi 7 juin 2011



إن معاناة التلميذ في سلك الباكلوريا هي في جوهرها معاناة تتعلق بمنهج الكتابة الإنشائية الفلسفية. فأنت تجد الكثير من التلاميذ يمتلكون معارف فلسفية لا بأس بها أو يحفظون الدروس عن ظهر قلب، ولكنهم مع ذلك لا يتمكنون من إنجاز كتابة إنشائية جيدة وفي المستوى المطلوب. والأسباب في عمقها تتعلق بضعف الأسلوب الممنهج في الكتابة.

فمما لا شك فيه أن أهمية المنهج تتجاوز إطار الكتابة الفلسفية ذاتها لتشمل كل مجالات التفكير في الحياة. ولذلك فالدرس الفلسفي يراهن على تعليم المنهج لأنه درس من أجل الحياة ويرتبط بقضاياها المختلفة. فما يهدف إليه الدرس الفلسفي بصفة أساسية هو تعليم التفكير وليس تعليم الأفكار، أو لنقل إن اكتساب هذه الأخيرة يرتبط بمناهج التفكير وأنماط التفلسف التي انبثقت عنها تلك الأفكار، والتي تختلف من طرق القول عند هذا الفيلسوف أو ذاك.

ولهذا يتعين على مدرس الفلسفة أن يعي جيدا وهو بصدد بناء الدرس الفلسفي، أهمية التركيز على المهارات والقدرات العقلية أكثر من تلقين المضامين المعرفية. وهذه مسألة تتطلب منه الاشتغال على الأقوال والنصوص الفلسفية من أجل إقحام التلميذ في مواجهة مباشرة مع الفيلسوف، وتمثل طرق التفكير التي اعتمدها هذا الأخير في بلورته لأفكاره وصياغته لأطروحاته. كما يتطلب الأمر من المدرس تهييئ مجموعة من التمارين الجزئية التي تستهدف التمرن على مهارة أو قدرة عقلية بعينها. فضلا عن هذا يتوجب على المدرس تعويد التلاميذ، وبشكل مستمر، على الكتابة الجزئية أو الكلية المرتبطة سواء بالخلاصات التركيبية للدرس ومحاوره، أو بالكتابة الإنشائية وخطواتها الأساسية.

بالإضافة إلى كل هذا يكون من المفيد جدا أن يجسد معلم الفلسفة التفكير الممنهج من خلال الحوارات والتفاعلات التي تجري على مسرح الفصل الدراسي بينه وبين تلامذته، نظرا لما يتركه ذلك من انطباعات إيجابية على ذهنية التلميذ وممارسته لفعل الكتابة الإنشائية الفلسفية. فمثلا يتعين على المدرس حينما يتلقى إجابة من من التلميذ أن يبادره بتوجيه أسئلة مثل: ماذا تعني بالمفهوم الفلاني ؟ في محاولة لتدريبه على على المفهمة أو البناء المفاهيمي، فيتعود التلميذ على تحليل المفاهيم وتفكيكيها لاستخراج الدلالات الكامنة فيها. كما يتعين على المدرس مثلا أن يسأل التلميذ: كيف أن … كذا وكذا ؟ ولماذا قلت كذا ولم تقل كذا … ؟؟ ألا يمكن أن ننظر إلى المسألة من المنظور الفلاني ( الذي يفترض أن التلميذ قد أغفله ) … ؟

إن مثل هذه الأسئلة ومثيلاتها، وحينما تصبح مؤثثة لفضاء الفصل الدراسي في مادة الفلسفة، من شأنها في نظرنا أن تجعل الدرس الفلسفي درسا متميزا عن باقي المواد الدراسية، ومن شأنها أن تحفز التلميذ على الإقبال على درس الفلسفة ويتمكن خلاله من إيجاد مجال للتفلسف وللتجرؤ على استعمال العقل، وهذا ما يساعده على اكتساب مهارات وقدرات عقلية في التفكير السليم والممنهج، والذي سيسعى إلى إبرازه في الكتابة الإنشائية الفلسفية.

هكذا فإن شبه الغياب لمثل هذه الممارسات الفصلية التي أشرنا إليها، هو الذي يساهم بقدر كبير في ضعف القدرات المنهجية لدى التلميذ في الإنشاء الفلسفي. فتجد هذا التلميذ يميل كلية إلى الاستظهار ومراكمة المعلومات الجاهزة دون قدرة على الإبداع الذاتي، أو ممارسة أفعال التحليل والاستنتاج والتركيب التي تتطلبها الكتابة الإنشائية الفلسفية.

صحيح أن هناك عوامل ذاتية تتعلق بطبيعة التلميذ المغربي وضعف القراءة لديه، وارتباط ذلك بالمحيط السوسيوثقافي الذي لا يشجع على المطالعة والتفكير العقلاني، لكن بالرغم من ذلك يجب في نظري مراجعة أساليب تدريسنا كأساتذة فلسفة والعمل على تطويرها بما يتماشى وروح التفكير الفلسفي، لكي نساهم بما نستطيع القيام به من أجل ترسيخ قواعد المنهج الفلسفي لدى التلاميذ مما سينعكس إيجابيا على ممارستهم لفعل الكتابة الفلسفية.

منقول .

0 comments

Enregistrer un commentaire