مفهوم التبادل

dimanche 22 mai 2011


مفهوم التبادل
تقديم:

يتلخص مبدأ التبادل إعطاء شيء مقابل شيء آخر قديكون مكافئا أو غير مكافئ له، فهو إذن عطاء وأخذ أو أخذ وعطاء، وليس هناك تبادلبالعطاء فقط أو بالأخذ فقط، فالسرقة والسلب ليسا تبادلاً فهما أخذ فقط، وكذلكالتبرع والتصدق وتقديم المساعدة ... وينطبق الأمر كذلك على كل إجبار على العطاء دونالأخذ أو العكس.
إنالتبادل من أهم آليات تشكل البنيات نتيجة مشاركة بنيتين أو أكثر في الأخذ والعطاء،فالتبادل هو الذي ينشئ التجاذب وبالتالي الترابط ضمن بنية واحدة . أن ما معي يجذبكلكي تأخذه وتضمه إليك وكذلك ما هو معك يجذبني لكي أخذه وهذا ينشئ قوى تؤدي إلىإجراء التبادل، وبعد إجراء التبادل ينتفي التجاذب إلا إذا كانت هناك قوى لتبادلجديد، فتكرار الأخذ والعطاء لا بد منه لاستمرار التجاذب.
و لا يقتصر التبادل على تبادل الخيرات أوالمنافع المادية بل يتعداه إلى تبادل رمزي للأفكار والمعتقدات وأنماط السلوك...
ويمكن القول إن التبادلالمادي يتضمن تبادلا رمزيا لأن كل سلعة تكون موضوعا للتبادل تحمل في طياتها علةومنطق ورؤية صانعها.
· فما هي أسس التبادل؟
· ما العلاقة بين التبادل والمجتمع؟
· لماذا لا يكتفي الإنسان بالتبادل الماديفحسب؟

التبادل خاصية إنسانية صرف
لماذا يتبادل الإنسان و لا تتبادلالحيوانات؟
يقول أدمسميث: (لم نر قط كلبين "يتفاوضان" في أمر اقتسام قطعة عظم. لم نر أبدا أن حيوانايحاول "إفهام" حيوان مثله، مستخدما صوته أو حركات جسمه، فيقول له: "هذا لي، وهذالك، سأعطيك مالي مقابل أن تعطيني ما لك...)
ينطلق أدم سميث من هذه الملاحظة المقارنة بينالإنسان والحيوان ليخلص إلى أن التبادل خاصية إنسانية بامتياز، لأن التبادل يستلزمالحوار واللغة والتفاوض والتفكير في الأحجام والقياسات والمعادلات... وكل هذا مرتبطبالفكر والعقل. والحيوانات لا تستطيع مجاراة الإنسان في هذاالمجال.
وبما أن التبادلخاصية إنسانية، فإنه لا يتأسس على العاطفة أو الشفقة أو الرحم... بل يتأسس على مبدأالعطاء والأخذ. فكون الإنسان اجتماعيا، يعني الدخول في علاقات مع الآخرين و تبادلالمنافع معهم. وإذا ما اعتمد الإنسان فقط على مساعدة الآخرين وعنايتهم به، فإنه لنيضمن إشباع حاجياته باستمرار. لذلك يستحسن أن يقدم الفرد للآخرين خدماته لقاءالحصول على خدماتهم. وبهذه الطريقة يتأسس التبادل على مبدأ الخدمات المتبادلة علىأساس إشباع الاحتياجات المتبادلة.
يقول سميث: ("أعطيني ما أحتاجه منك، وسأعطيك أنتما تحتاجه مني". بهذه الطريقة يتم الحصول على الجزء الأكبر من هذه الخدمات النافعةوالضرورية بين الناس).
بيد أن ماركس يرى أن التبادل يتم على أساس مبادلة القيمة الاستعماليةبالقيمة التبادلية للخيرات. فالنجار ليس بحاجة لكل تلك الأبواب التي يخرجها للوجودبعمله. إنه بحاجة إلى خيرات وسلع من نوع آخر. أي أن الأبواب التي يصنعها لا تمثلبالنسبة إليه قيمة استعمالية، بل تمثل قيمة استعمالية عند آخرين (سباك، بقال،موظف...). لذلك يبحث الآخرون عن القيم الاستعمالية للأشياء و يبادلونها بالقيمالتبادلية للأشياء التي ينتجونها.
لقد شكل التبادل أساس القيم الإنسانية منذ بدايةالحياة الاجتماعية. ف"لكل شيء ثمن وكل شيء يشترى" كما قالنيتشه.

التبادل والروابط الاجتماعية
كيف يعمل التبادل على تأسيس الروابطالاجتماعية؟
يرى كلودليفي ستراوس أن التبادل أو التواصل داخل كل مجتمع يجري على ثلاثةمستويات:
- مستوىالقرابة: من خلال الزواج
- مستوى الاقتصاد: من خلال المبادلات التجاريةوالنقدية
- مستوىالرموز: من خلال اللغة والآثار الأدبية والفنية
إن الدافع للمبادلة بين البشر هو أن قدرات البشرالمختلفة والظروف المختلفة لا تسمح لهم بالحصول على كافة حاجاتهم بسهولة متساوية، (أرسطو، ابن خلدون)، فإنتاج السلع والخدمات، أو توفرها، غير متساو لدى البشر،فالإنسان الذي يسهل عليه الإنتاج الزراعي يمكن أن يصعب عليه الإنتاج الصناعي ، فلكلإنسان قدراته وظروفه التي تؤهله أو تسمح له بإنتاج أو امتلاك سلع أو خدمات دونأخرى، وكذلك الجماعات والدول لكل منها قدراتها وظروفها التي تحدد إنتاجها وامتلاكهاللسلع والخدمات، وهذا ما يستدعي الحاجة للمبادلة فيما بينهم. ويجب لكي تجري مبادلةأن تختلف شدة الحاجة إلى السلع أو الخدمات المراد تبادلها ، بالإضافة إلى اختلافالكم المتوفر منها، فتوفر الهواء أو الماء المتاح للجميع مع أن الجميع بحاجة إليهمالا يستدعي إجراء مبادلة عليهما، وكذلك إذا كان لدي نقود ولديك أيضاً نقود ونحن معاًبحاجة إلى طعام، فلن تجري مبادلة بيننا.
كان التبادل قبل ظهور السوق مجرد إنتاج عائليوعطاء متبادل وإعادة توزيع. لكن مع تطور الإنسان ظهر السوق بوصفه نظام توزيع وتبادلونمت معه أنماط التبادل التجاري التي جلبت معها التحضر والأخلاق المهذبة والسلاموالوئام حتى بين الشعوب المتباعدة والمتنافرة لاسيما في حوض البحر الأبيض المتوسط. يقول مونتسكيو : "إن الأثر الطبيعي للتجارة هو الوصول إلى السلام. فأمتان تتفاوضانفيما بينهما، هما أمتان ترتبطان برباط متبادل...". لكن الحديث عن التبادل لا يكتملدون الحديث عن النقود ودورها الأساسي في عملية التبادل.
يرى ماركس أن النقود لعبت دورا حاسما في تاريخالتبادل. لقد كان التبادل يتم بواسطة المقايضة قبل ظهور النقود، أي أن طرفي التبادليدخلان إلى السوق فيتبادلان سلعتين مختلفتين في نفس الآن. أي أن الأخذ والعطاءيتمان في لحظة واحدة. بيد أنه مع ظهور النقود أصبح من الممكن مبادلة السلعة بمقبلهاالنقدي، وتأجيل الحصول على المقابل السلعي إلى ما بعد. وهذا ما، مكن حسب تحليلاتماركس، من تجاوز العلاقة: سلعة – نقود – سلعة (البيع من أجل الشراء)وبروز العلاقة: نقود – سلعة – نقود (الشراء من أجل البيع). العلاقة الأخيرة ساهمت في تراكم رأسالمال، وظهور نمط الإنتاج الرأسمالي.
التبادل الرمزي: الهبةنموذجا
تستعملمفردات الهبة والهدية والعطية والصدقة في نفس المعنى لأنها تتضمن كلها معنى العطاءوالمنحة. لكنها هذه المفرادات تختلف من حيث الدلالة اللغوية:
· فالهدية هي الشيءالذي يحمله يمنحه الإنسان للغير إكراماً له وإجلالاً. إنها تتضمن معنى المنحوالحمل.
· وأما الهبةفهي منح من دون حمل. إنها في الأصل تمليك، ويُقصَد بها تمليكُ الغيرِ المالَ الذييملكه الواهب على سبيل المعروف والإحسان.
· وأما بالنسبة للعطية: فهي عطاء مع وقف التنفيذإلى حين وفاة الشخص الذي أعطاها. فالعطية تكون لما بعدالموت.
· وأما الصدقة: فهي منح أو عطاء يبتغي من وراءه صاحبه أجرا معنويا في العالمالآخر.
تمنح الهبةوالهدية وحتى العطية نسبيا بغرض كسب القلوب والتعاطف والمودة، أما الصدقة فيبتغىبها تحقيق المكاسب المعنوية في العالم الآخر حسب المعتقدات الدينية.
فماهي وظيفة الهبة في التبادل الرمزي؟
في دراسته لنظامالبوتلاتش،و هيدراسة لمارسيلموس عن بعض قبائل الهنود الحمر التي تعيشفي الجزء الشماليالغربي من أمريكا، وهذه القبائل هي : الكيوكتيل، الهايدا،والتسمشيان، لاحظ أن النظام الاجتماعي يرتكز في أساسه على أن يقومالشخص من ذوي المكانة والمركز الاجتماعي في هذه القبائل بتوزيع نوع معين من الأغطيةالصوفية على الضيوففي حفل رسمي كبير. وبعد فترة من الزمنيرد الضيوف هذه الأغطية في حفل رسمي كبيرأيضاً بعد إضافةأعداد أخرى كبيرة منها قد تصل إلى أضعاف ما أخذوه منه في الأصل .وهذا التبادل الذي يتم بين أفراد المجموعةيصاحبه دائماً بعض الطقوسوالشعائر. وفي هذه المجتمعاتتتضمن الهبات نوعا من الإلزام حيث يتوجب علىالموهوب له أنيرد الهبة وبأحسن منها. والامتناع عن القيام بهذا السلوك قد يزعزعالمركز الاجتماعي للشخص ويقلل من هيبتهومكانته.
فهذه الطقوس تعمل على حفظحقوق أطراف العلاقةفي الأخذ والرد ولذلك فإنها تحقق الاستقرار وتدعم أواصرالعلاقات داخل مجتمع القبيلة. بالإضافة إلى أن هذا النظام الشعائرييهدف إلى اكتساب المزيد من الشرف والسمعة الطيبة وذيوع الصيت عن طريق المنحوالإعطاء والمبالغة فيالرد والدليل على ذلك أن الشخصكثيراً ما يلجأ إلى إحراق هذه الأغطية ذات القيمةالاجتماعية العالية وأحياناً أخرى قد يحرق بعض ممتلكاته ليدلل علىاستهانتهبالأشياء المادية ويدعو غيره من الأشخاص الذين يحضرون حفل البوتلاتش إلى مجاراته فيأعماله .كلما أحرق أو أتلف الشخص هذه السلع الماديةكلما ارتفعت مكانته في للحصول على المزيد من السمعة وذيوع الصيت. فهو نظام شعائري تدخل فيهالكثيرمن الطقوس التي ترتبط فيها الأنظمة الاقتصادية في المجتمعات البسيطة ارتباطا وثيقا بالأنظمة الاجتماعية.إن تبادل الهدايا في البوتلاتش يتم بشكل إرادي على الرغم من وجود صفة الإلزامية فيه، وإن عمليات التبادل لا تخلو من أبعاد اقتصادية تتمثل فيوجود مفهوم القيمة في هذهالتبادلات التي تتم بهدف الحصول على المكانة الاجتماعية والهيبة أكثر منالحصول على السلع المادية .. إن الطقوس والشعائرالتي تمارس في البوتلاتش تحافظ على الاستقرار الاجتماعي لأنها تنظم قضية الأخذ والرد وتدعم أواصرالعلاقات بين القبائل في الوقت الذي تحتل العلاقة بين السلع منزلة ثانوية بالنسبة للعلاقة بين الأشخاص.
أما مالينوفسكي، في دراسته لنظام تبادل الكولا الذي يمارس فيجزر التروبرياند في المحيط الهادي وفي بعض جزر واستراليا، فقد لاحظ أن الكولا نظام شعائري تتبعه بعض القبائل التي تعيش في منطقة جزر واحدة وتنتشر على شكل حلقة وتكون دائرة مغلقة للتبادل وفي نطاق هذه الدائرة يتبادلون مجموعتين من السلع.

0 comments

Enregistrer un commentaire