حرب أمريكا على العرب

mercredi 25 mai 2011







بعد مطاردة شيخ عجوز عقداً من الزمن وأكثر، صور للقاصي والداني بأنه منبع الشر والإرهاب يسكن كهفاً يحمل سلاحا يخطط ليل نهار لتدمير العالم الغربي، تفاجئنا قوات الكوماندوز الأمريكية بأنها قامت باغتياله في تضارب واضح للروايات وخرج علينا أوباما منتشياً معلناً موته وما ان انتهى حتى خرج الأمريكيون في الشوارع يحتفلون ويرقصون طرباً على سفك دم هذا الشيخ كما رقص أجدادهم من قبل على دماء الهنود الحمر بعد قتلهم واغتصاب أرضهم.
أية حضارة هذه التي تقوم على اغتصاب وتدمير حضارة أخرى وتبني غطرستها وقرارها السياسي على جماجم الإنسانية ومن ثم تدعي الحرية والنزاهة والعدالة وتحاول فرضها بالقوة، هذا دليل على أنها حضارة حيوانية لا تعرف سوى الغابة منزلاً وطريقاً.
نحن لا نبالغ بهذا الوصف بل هي حقيقة واقعية محزنة ابتليت بها البشرية بعد أن انتزعت القيم من أصحابها وملأ الحقد والبغض قلوبهم فصوروا الشر والإرهاب على أنه الحرية والعدالة والإنسانية، فصدق هذه الكذبة أصحابها وغذوها بعقول الأجيال جيلا بعد جيل حتى صارت من المسلمات ومقننة تدرس في مناهجهم.
فالإرهابي الشرير الذي يتغذى على الدماء ويطرب لصرخات النساء والشيوخ والأطفال ويتلذذ في تعذيب الناس أصبح هو العادل الذي ينصف المظلوم ويبشر بالحرية للاقطار العربية التي لا تخضع لمشيئته ويدعو للإنسانية وقيمها، نعم هذا هو حال وواقع العالم الغربي المتمثل بأمريكا وغيرها من البلاد الأوروبية التي ما زالت تنادي بهذه القيم وهي أبعد عنها بعد السماء عن الأرض.
فواقع ما افتعلته السياسة الغربية في العالم من أحداث وما أوجدته من نكبات ونكسات اقتصادية فلا يكفي دعمها للإرهاب نفسه اسرائيل ومباركتها سفك الدماء في فلسطين والمشاركة فيها وسرقة الارض ودعم ارهابها بكافة الوسائل الارهابية المتاحة وغير المتاحة إلى تدمير أفغانستان وتشريد أهلها إلى احتلال العراق بكذبة سوقتها للعالم بإعلامها الذي يدعي النزاهة والمصداقية إلى ضرب المسلمين الآمنين في باكستان إلى انتهاك حريات وحقوق الإنسان وما نتج عنه من قتل الملايين في العالم وتسبب في قتل ملايين وتشريدهم بحجة محاربة الإرهاب والمحافظة على أمنها القومي، فكان من الطبيعي أن لا تضع أمريكا وغيرها من البلاد الغربية تعريفاً واضحاً للإرهاب ليصبح كل من يحارب هذه الدولة وغطرستها وأفكارها ينطبق عليه هذا التعريف وغيرها من المسميات ليصبح في مرمى نيرانها ومطلوبا لها. نحن لسنا بصدد تقييم فكر وإستراتيجية بن لادن ولكن بصدد تسليط الضوء على الإرهاب الدولي والعنجهية التي تمارسها أمريكا والبلاد الغربية والمعيار المزدوج في التعامل فهذا ليس بغريب على حضارة قامت على الدم والقتل ولكن الغريب أن تصدق أنها صاحبة العدل وحامية الحرية فسياستها تقضي بأن تجد عدواً دائماً لها وأن تصنعه شرقاً وغرباً ومن ثم تقنع العالم بخطورة هذا العدو وتهديده للأمن الغربي، فقد وضعت الإسلام عدواً حقيقياً لها بعد انتهاء الشيوعية وافتعلت الأحداث التي تؤدي إلى محاربته وغزو المسلمين في عقر دارهم بطرق وذرائع واهية وكذب ملفق.
فهذا هو الإرهاب الفكري بعينه فهي تفصل ثوب الإرهاب وتلبسه لمن تشاء وتحشد حلفاءها على محاربته وتمزيقه، إن ما قامت به أمريكا من اغتيال لهذا الشيخ أمام عائلته لا يعد نصراً وإنما ضعفاً وانتكاساً شديداً فقد قتلت رجلا ولم تقتل فكراً، فالفكر لا يموت ويبقى ويستمر ولا يقاوم إلا بالفكر والحجة والبرهان وليس بالقنابل والكوماندوز فأي نصر هذا الذي يتحدث عنه أوباما بعد مطاردة رجل عقداً من الزمان اجتمعت فيه مخابرات العالم لتصفيته. والشاهد هنا لولا ضلوع حكام باكستان في هذه الخيانة وإعطاء أمريكا معلومات مهمة لما استطاعت القيام بهذه العملية وتحقيقها.
نعم لقد وصلت الأمة والعالم لهذا الحال من الذل والهوان بعد أن تخلف المسلمون وابتعدوا عن قيادة العالم وتطبيق الإسلام نظاماً متكاملاً متمثلاً بدولة واحدة تحكمه وتنشره وتذود عنه ولو كان للمسلمين دولة يحكم فيها شرع الله لما استخف الغربيون بطفل من أطفال المسلمين إلا أننا نعيش في زمن يطبق فيه قانون الغاب فشتان بين حضارة البناء والعمل وحضارة الهدم والتدمير، بين حضارة تطبق العدل وتخدم الإنسانية وحضارة تدعي ذلك ولا تعرف له سبيلاً.
إن ما يجري الآن من أحداث في العالم العربي والإسلامي يؤكد صحوة الأمة لكن حذار من استغلالها من الغطرسة الأمريكية، ففجر الإسلام سيشرق ويعود من جديد عله يطوي صفحة من الألم والحزن والمرارة عاشتها الأمة قرنا من الزمان.
القدس العربي .
دكتور علاء شماسنة

0 comments

Enregistrer un commentaire